الفرق بين المرأة والرجل
لقد
حرر الإسلام المرأة من تقاليد الجاهلية وأعرافها المقيتة ، وأعزها ورفع
منزلتها ، وقرر مساواتها بالرجل في الإنسانية ووحدة المبدأ والمعاد ، وحرمة
الدم والعرض والمال ، ونيل الجزاء الأخروي على الأعمال .
وحدد قيم
المرأة ومنزلتها من الرجل تحديداً عادلاً حكيماً . فهو يساوي بينهما وبين
الرجل فيما تقتضيه الحكمة والصواب ، ويفرق بينهما في بعض الحقوق وبعض
الواجبات والأحكام ، حيث يجدر التفريق ويحسن التمايز نظراً لاخلاف خصائصهما
ومسؤولياتهما في مجالات الحياة .
وهو في هذا وذاك يستهدف الحكمة
والصلاح ، والتقييم العادل لطبائع البشر وخصائصهم الأصيلة . فلم يكن في
تمييزه الرجل في بعض الأحكام ليستهين بالمرأة أو يبخس حقوقها ، وإنما أراد
أن يحقق العدل ، ويمنح كلاً منهما ما يستحقه ويلائم كفاءته وتكاليفه .
وسنبحث في المواضيع التالية أهم مواطن التفريق والتمايز بين الرجل والمرأة ، لنستجلي حكمة التشريع الإسلامي وسمو مبادئه في ذلك .
1 ـ القوامة :
الأسرة هي الخلية الأولى ، التي انبثقت منها الخلايا الاجتماعية العديدة والمجتمع الصغير الذي نما واتسع منه المجتمع العام الكبير .
ومن الثابت أن كل مجتمع ـ ولو كان صغيراً ـ لا بد له من راع كفؤ يرعى شؤونه ، وينظم حياته ، ويسعى جاهداً في رقية وازدهاره .
لذلك
كان لا بد للأسرة من راع وقيم ، يسوسها بحسن التنظيم والتوجيه ويوفر لها
وسائل العيش الكريم ، ويحوطها بالعزة والمنعة ، وتلك مهمة خطيرة تستلزم
الحنكة والدربة ، وقوة الإرادة ، ووفرة التجربة في حقول الحياة .
فأي شخصين الرجل أو المرأة أحق برعاية الأسرة والقوامة عليها ؟
إن
الرجل بحكم خصائصه ومؤهلاته أكثر خبرةً وحذقاً في شؤون الحياة من المرأة ،
وأكفأ منها على حماية الأسرة ورعايتها أدبياً ومادياً ، وأشد قوة وجلداً
على تحقيق وسائل العيش ومستلزمات الحياة . لذلك كان هو أحق برعاية الأسرة
والقوامة عليها . وهذا ما قرره الدستور الإسلامي الخالد «الرجال قوامون على
النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ، وبما أنفقوا من أموالهم» (النساء :
34) .
وليس معنى القوامة هو التحكم بالأسرة وسياستها بالقسوة والعنف ،
فذلك مناف لأخلاق الإسلام وآدابه . والقوامة الحقة هي التي ترتكز على
التفاهم والتآزر والتجاوب الفكري والعاطفي بين راعي الأسرة ورعيته .
«ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ، وللرجال عليهن درجة» (البقرة : 228) .
أما
المرأة فإنها بحكم أنوثتها ، رقيقة العاطفة ، مرهفة الحس ، سريعة التأثر ،
تتغلب عواطفها على عقلها ومشاعرها . وذلك ما يؤهلها لأداء رسالة الأمومة ،
ووظائفها المستلزمة لتلك الخلال ، ويقصيها عن مركز القيادة في الأٍسرة
الذي يتطلب الحنكة ، واتزان العواطف ، وقوة الجلد والحزم ، المتوفرة في
الرجل ، وهذا ما يؤثره عليها في رعاية الأسرة والقوامة عليها .
هذا إلى
أن المرأة السوية بحكم أنوثتها تستخف بالزوج المائع الرخو ، وتكبره إذا كان
ذا شخصية قوية جذابية ، تستشعر في ظلال رجولته مفاهيم العزة والمنعة ،
وترتاح إلى حسن رعايته وتدبيره .
2 ـ إيثار الرجل على المرأة في الإرث :
وهكذا
قضت حكمة التشريع الإسلامي أن تؤثر الرجل على المرأة ، بضعف نصيبها من
الإرث ، مما حسبه المغفلون انتقاصاً لكرامة المرأة وبخساً لحقولها .
لا .
. . . لم يكن الإسلام ليستهين بالمرأة أو يبخس حقوقها ، وهو الذي أعزها
ومنحها حقوقها الأدبية والمادية ، وإنما ضاعف نصيب الرجل عليها في الإرث
تحقيقاً للعدل والإنصاف ، ونظراً لتكاليفه ومسؤولياته الجسيمة .
فالرجل
مكلف بالإنفاق على زوجته وأسرته وتوفير ما تحتاجه من طعام وكساء وسكن ،
وتعليم وتطبيب ، والمرأة معفوة من كل ذلك . وكذلك هو مسؤول عن حماية
الإسلام والجهاد في نصرته ، والمرأة غير مكلفة به . والرجل مكلف بالإسهام
في دية العاقلة ونحوها من الالتزامات الاجتماعية ، والمرأة معفاة منها .
وعلى
ضوء هذه الموازنة بين الجهد والجزاء ، نجد أن من العدل والإنصاف تفوق
الرجل على المرأة في الإرث ، وأنها أسعد حالاً ، واوفر نصيباً منه ،
لتكاليفه الأٍسرية والاجتماعية ، التي هي غير مسؤولة عنها . وهذا ما شرعه
الإسلام «للذكر مثل حظ الانثيين» (النساء : 11) على ان تفضيل الرجل على
المرأة في الإرث لا يعم حقوقها الملكية ، وأموالها المكتسبة ، فإنها والرجل
سيان ، ولا يحق له أن يبتز فلساً واحداً منها إلا برضاها وإذنها .
3 ـ الشهادة :
وهكذا
تجلت حكمة التشريع الإسلامي في تقييم شهادة المرأة ، واعتبار شهادة
امرأتين بشهادة رجل واحد . وقد أراد الإسلام بهذا الإجراء أن يصون شهادة
المرأة عن التزوير والافتراء ، ليحفظ حقوق المتخاصمين عن البخس والضياع .
فالمرأة
سرعان ما تستبد بها عواطفها الجياشة ، وشعورها المرهف ، وانفعالها السريع ،
فتزيغ عن العدل ، وتتناسى الحق والواجب ، متأثرة بنوازعها نحو أحد
المتداعيين ، قريباً لها أو عزيزاً عليها ، وتفادياً من ذلك ، قرن الإسلام
بين المرأتين في الشهادة ، لتكون إحداهما مذكرة للأخرى ورداعة لها عن الزيغ
والممالاة «واستشهدوا شهيدين من رجالكم ، فإن لم يكونا رجلين فرجل
وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ، أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى»
(البقرة : 282) .
هذا إلى أن الطب الحديث قد اكتشف أن بعض النساء إبان
عادتهن الشهرية ، قد تضعف طاقاتهن الذهنية ويغدون آنذاك مظنة للنسيان ، كما
أوضحته التقارير السالفة ، في بحث المساواة .
وهذا ما يؤيد ضرورة اقتران امرأتين في الشهادة ، إذ باقترانهما وتذكير إحداهما للأخرى يتجلى الحق ويتضح الواقع .
4 ـ تعدد الزوجات :
وما
فتيء أعداء الإسلام يشنون الحملات الظالمة على الدين الإسلامي وشريعته
الغراء ، في صور من النقد اللاذع ، والتنديد الرخيص ، الكاشف عن حقدهم
وكيدهم للإسلام .
فمن ذلك تشنيعهم على الإسلام بإباحته تعدد الزوجات ، وأنها على زعمهم اضرار بالزوجة وإرباك لحياتها .
وقد
جهل الناقدون أو تجاهلوا أن الإسلام لم يكن المشرع الأول بذلك ، فقد شرعته
الأديان السماوية والقوانين الوضعية قبل الإسلام بآماد وقرون مديدة .
«فلا
حجر على تعدد الزوجات في شريعة قديمة سبقت التوراة والإنجيل ، ولا حجر على
تعدد الزوجات في التوراة أو في الإنجيل ، بل هو مباح مأثور عن الأنبياء
أنفسهم ، من عهد إبراهيم الخليل إلى عهد الميلاد . ولم يرد في الإنجيل نص
واحد يحرم ما أباحه العهد القديم للآباء والأنبياء ، ولمن دونهم من الخاصة
والعامة . وما ورد في الإنجيل يشير إلى الإباحة في جميع الحالات ،
والاستثناء في حالة واحدة ، وهي : حالة الأسقف حين لا يطيق الرهبانية فيقع
بزوجة واحدة اكتفاء بأهون الشرور . . .
وقال (وسترمارك) العالم الثقة في
تاريخ الزواج : أن تعدد الزوجات باعتراف الكنيسة بقي إلى القرن السابع عشر
، وكان يتكرر كثيراً في الحالات التي لا تحصيها الكنيسة والدولة . . .
فالإسلام
لم يأت ببدعة فيما أباح من تعدد الزوجات ، وإنما الجديد الذي أتى به : أنه
أصلح ما أفسدته الفوضى من هذه الإباحة ، المطلقة من كل قيد ، وانه حسب
حساب الضرورات التي لا يغفل عنها الشارع الحكيم ، فلم يحرم أمراً قد تدعو
إليه الضرورة الحا**ة . ويجوز أن تكون إباحته خير من تحريمه في بعض ظروف
الأسرة ، أو بعض الظروف الاجتماعية العامة» (1) .
إن الذين استنكروا
إباحة تعدد الزوجات في التشريع الإسلامي ، قد مارسوه فعلاً بطرق الغواية
والعلاقات الأثيمة بالخليلات والعشقيات ، وتجاهلوا واقعهم السيء وتحللهم من
القيم الأخلاقية ، كأنما يحلو لهم أن يتنكبوا النهج السوي المشروع ،
ويتعسفوا الطرق الموبوءة بالفساد .
ولو أنهم فكروا وأمنعوا النظر بتجرد
وإنصاف في حكمة ذلك التشريع الإسلامي ، لأيقنوا أنه العلاج الوحيد لحل
المشاكل والأزمات التي قد تنتاب الفرد وتنتاب المجتمع ويصلحها إصلاحاً
فريداً لا بديل له ولا محيص عنه .
أ ـ المبررات :
ونستطيع أن نستجلي أهداف الشريعة الإسلامية في تعدد الزوجات على ضوء المبررات التالية :
1
ـ قد تمرض الزوجة جسمياً أو عقلياً ، وتعجز آنذاك عن آداء رسالتها الزوجية
، ولا تستطيع تلبية رغبات الزوج ، ورعاية الأسرة والأبناء ، مما يفضي بهم
إلى القلق والتسيب .
ولا ريب أنها أزمة خانقة تستدعي العلاج الحاسم الحكيم ، وهو لا يخلوا من فروض ثلاثة :
أ
ـ إما أن يترك الزوج هملاً يعاني مرارة الحرمان من حقوقه الزوجية ، ويغدو
عرضة للتردي في مهاوي الرذيلة والإثم ، وتترك الأسرة كذلك نهباً للفوضى
والتبعثر . وهذا إجحاف بالزوج والأسرة ، وإهدار لحقوقهما معاً .
ب ـ
واما أن يتخلص الزوج من زوجته المريضة بالطلاق ، والتخلي عنها ، ويدعها
تقاسي شدائد المرض ووحشة النبذ والانفراد ، وهذا ما يأباه الوجدان لمنافاته
مباديء الإنسانية وسجايا النبل والوفاء .
ج ـ وإما أن يتسرى الزوج على
زوجه المريضة ، متخذاً زوجه أخرى تلبى رغباته ، وتلم شعث الأسرة ، وتحيط
الأولى بحسن الرعاية واللطف ، وهذا هو أفضل الحلول وأقربها إلى الرشد
والصواب .
2 ـ وقد تكون الزوجة عقيمة محرومة من نعمة النسل والإنجاب ،
فماذا يصنع الزوج والحالة هذه ، أيظل محروماً من الأبناء يتحرق شوقاً إليهم
، وتلهفاً عليهم مستجيباً لغريزة الأبوة ووخزها الملح في النفس . فإن هو
صبر على ذلك الحرمان آثراً هوى زوجته على هواه ، فذلك نبل وتضحية وإيثار .
أو يتسرى عليها بأخرى تنجب له أبناءً يملؤون فراغه النفسي ، ويكونون له قرة
عين وسلوة فؤاد . وهذا هو منطق الفطرة والغريزة الذي لا يحيد عنه إلا نفر
قليل من الناس .
3 ـ والنساء ـ في الغالب ـ أوفر عدداً وأكثر نفوساً من الرجال ، وذلك لأمرين :
أ
ـ ان الرجال أكثر تعرضاً لأخطار العمل وأحداث الوفاة من النساء ،لممارستهم
الأعمال الشاقة الخطيرة ، المؤدية إلى ذلك ، كالمعامل والمناجم والمطافي
ونحوها ، مما يسبب تلفهم وقتلهم عن النساء .
أضف إلى ذلك ، أن الرجال
أضعف مناعة من النساء وأكثر إصابة بعدوى الأوبئة والامراض ، مما يجعلهم اقل
عددا منهن «ويعزوا علماء الحياة ذلك الى ما تتميز به المرأة على الرجل
بدنياً . وإلى أن الأمراض كلها تقريباً تهلك من الرجال أكثر مما تهلك من
النساء ، ولذا فإن في الولايات المتحدة في الوقت الحاضر (7,700,000 أرملة) ،
ويتنبأ مكتب التعداد الأمريكي بأن هذه الفئة سيرتفع عددها في أمريكا بمعدل
مليونين كل 10 سنين .
وان الدكتورة (ماريون لانجر) العالمة الاجتماعية
المتخصصة في استشارات الزواج تقول : أن لدى المجتمع حلين ممكنين فقط لتغطية
النقص المتزايد في الرجال أما تعدد الزوجات ، أو إيجاد طريقة ما لإطالة
أعمار الرجال . . . » (2) .
ب ـ الحروب :
فإنها
تفني أعداداً ضخمة من الرجال وتسبب هبوط نسبتهم عن النساء هبوطاً مريعاً .
فقد كان المصابون في الحرب العالمية الأولى (واحداً وعشرين مليون نسمة)
بين قتيل وجريح . وكانت ضحايا الحرب العالمية الثاني (خمسين مليون نسمة) .
وقد أحدث ذلك فراغاً كبيراً في صفوف الرجال وأثار أزمة عالمية تستدعي العلاج الحاسم الناجع .
أما
الأمم الغربية ، فقد وقفت إزاء هذه الأزمة موقف العاجز الحائر في علاجها
وملافاتها . . . لمنعها تعدد الزوجات ، فراحت تعاجله عن طريق الفساد الخلقي
، مما دنسها وأشاع فيها البغاء وكثرة اللقطاء ، وعمتها الفوضى الأخلاقية .
وأما
الإسلام ، فقد عالج ذلك علاجاً فذاً فريداً يلائم الفطر البشرية ،
ومقتضيات الظروف والحالات . حيث أباح التعدد وقاية للفرد والمجتمع من تلك
المآسي التي عانتها الأمم المحرمة له ، «فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى
وثلاث ورباع ، فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة» (النساء : 3) .
وحين شرع الإسلام التعدد لم يطلقه ارسالاً وجزافاً ، فقد اشترط فيه العدل والمساواة بين الأزواج صيانة لحقوق المرأة وكرامتها .
بيد
أن ذلك العدل مشروط في مستلزمات الحياة المادية ، كالمطعم والملبس والمسكن
، ونحوها من المآرب الحسية المتاحة للإنسان ، والداخلة في نطاق وسعه
وقدرته .
أما النواحي الوجدانية والعاطفية ، كالحب والميل النفسي ،
فإنها خارجة عن طوق الإنسان ، ولا يستطيع العدل فيها والمساواة ، لوهنه
إزاء سلطانها الآسر ، «ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم»
(النساء : 129) .
وقد يعترض البعض أن المرأة الغربية قادرة على ممارسة الأعمال وكسب المعاش ، فهي غنية عن الزواج .
وهو
زعم باطل يكذبه واقع الفطرة الإنسانية وغرائزها الراسخة في النفس . فحاجة
المرأة إلى الرجل ليست مقصورة على المآرب المادية فحسب ، وإنما هي حاجة
نفسية ملحة تستكمل به كيانها وتشعر بوجودها كحاجة الرجل إليها على سواء .
4
ـ ومن مبررات التعدد أنه قد يتصف بعض الرجال بطاقة جنسية عارمة ، تتطلب
المزيد من التنفيس والإفضاء وتستدعي الأزواج ، فإن تيسر له ذلك ، وإلا نفس
عن طاقته بالدعارة والفساد ، كما حدث ذلك في الأمم التي حرمت التعدد
المشروع ، فابتلت بالتعدد الموبوء من الخليلات والعشيقات