د. كميل موسى فرام
استاذ مشارك/ كلية الطب- الجامعة الأردنية
استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الأردنية
الحمل كهدف والولادة فيما بعد يمثلان الفصل الثاني على أجندة الحياة الزوجية، يبدأ التخطيط لهما والحديث عنهما أثناء مراحل الاستعداد للزواج، فهو المشروع الأدق الذي لا تحتمل جزيئياته الاقتصاد أو التقنين أو التأجيل فيرصد له جزء يسير من الميزانية العائلية بمختلف مفرداتها أثناء فترة الإعداد لتنفيذ حفر أساسيات الصفحة العائلية التالية كصمام أمان من غدر الزمن والأيام حيث الطبيعة البشرية للمحافظة على النسل البشري، وربما الابحار في هذا المحيط يحتاج لربان ماهر قادر على تحمل الأمواج الصعبة خصوصا أن الظروف الحياتية أصبحت اليوم تحتاج لصبر ومهارة وفنون التعامل مع المستجدات.
جيل القرن الحالي
أصبح حدوث الحمل لجيل القرن الحالي يشكل منعطفا يمطر بالسعادة على الزوجين والمحيطين، حدثا يستحق الاحتفال وتقبل التهاني بل يمثل جوابا صامتا لأسئلة تنطق أو يوحى بها من المجتمع المحيط تحت عنوان الحرص بحسن النية، بينما يمثل البحث عن حلول التأخير مهارة شخصية يحتكرها من يرتدي ثوب الحرص ويعيش الواقع.
الحمل ليس مرضا لكنه وظيفة فسيولوجية مهيأ لها جسد المرأة منذ بداية التكوين والنمو حيث أن الطبيعة التشريحية تسمح بتكيف الجسم مع الوضع الجديد، فتحدث تغيرات مهمة على أجهزة الجسم نتيجة المعادلة الهرمونية الجديدة التي تفرض واقعها لتبدأ الشكوى من العديد من الأعراض المرتبطة ولو وظيفيا بالحمل مثل الغثيان وبالتحديد بالفترة الصباحية، زيادة معدل مرات التبول، اضطراب الشهية، تغيرات بأداء النشاطات اليومية وغيرها، وهي أعراض تتفاوت درجاتها حسب قدرة تحمل السيدة الحامل بالتعامل معها.
المعادلة الهرمونية
فترات الحمل تحمل بين سطورها تغيرات كثيرة للأم الحامل تطال كل الأجهزة في الجسم خصوصا الدورة الدموية والقلب والجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والبولي بالإضافة إلى الناحية النفسية، كما أن هناك التغير الكبير في المعادلة الهرمونية التي تتحكم بسائر الأمور وخصوصا هرمون البروجيستيرون، الكورتيزون والاستروجين بفعلهم السحري وصورهم المختلفة، واقع صحي جديد يلزم السيدة الحامل بسلوك شخصي وغذائي جديد لا تستطيع التنصل منه وهو زيادة الكميات الغذائية برغبة منها أو بغير رغبة حتى تتمكن من توفير البيئة السليمة لنمو الجنين داخل الرحم، والتي تشتمل على عوامل رئيسية ثلاث وهي الجنين والمشيمة واستجابة الأمومة للحمل والتي تشكل ثلاثي التكيف الإلزامي الجديد، تفرض بحكم التسلسل الحاجة المضطردة لتتغير نوعية ومعدل المواد الغذائية في الوجبات كأمر واقعي وملزم، وبشكل عام فهناك زيادة في الحاجة اليومية الوسطية للطاقة أثناء الحمل قد تصل إلى 20% عن حاجاتها السابقة.
تخزين الطاقة
يعزى ذلك إلى حدوث زيادة عامة في الاستقلاب الأساسي أو في تخزين الطاقة وإنفاقها، ووجود الشريك الذي يعتمد على والدته في إدارة أموره ونموه، حيث يلزمها بالابتعاد عن مفردات الرجيم للمحافظة على المظهر بتوقيت غير مناسب.
بالظروف الصحية الخالية من الزوابع المرضية وغيوم المرض فإن المرأة الحامل يمكنها الصيام خلال شهر رمضان المبارك، فالصيام عبادة ولا يشكل خطراً على صحة الأم الحامل أو الجنين، بل هو رياضة روحية ونفسية، فإذا كانت الأم الحامل تتمتع بصحة جيدة وحمل سليم بجنين مفرد فتستطيع الصيام بدون أي مشاكل صحية، لكن قد تختلف الظروف الصحية بمراحل الحمل خصوصا أن لكل مرحلة أعراضها ومشاكلها فيصعب التعميم لتعامل كل حالة حسب معطياتها.
ظروف مثالية
ضمن الظروف الصحية المثالية وعندما تعطي السيدة الاهتمام الواجب للجنين القاطن داخل رحمها فلا يوجد للصيام أي تأثير على صحة الجنين حيث يقوم بأخذ جميع احتياجاته الغذائية من الأم من خلال حلقة الاتصال بين الخلاصة الملتصقة بجدار الرحم والجنين بالحبل السري، ولا يتأثر هذا الضيف المؤدب المرحب به مطلقاً بصوم الأم ولا يشكل هذا خطراً عليه، بل وأن الصيام كسلوك صحي يحمل فوائد عديدة لها وله مثل التخلص من الاكتئاب والقلق التي ينتابها طوال فترة الحمل، ويساعد على التقليل من عسر الهضم التي تشعر به الأم الحامل ويخفف من مشكلات الغازات أثناء الحمل وحرقة المعدة، إضافة لحرق كميات الدهون الزائدة في مخازن الجسم نتيجة الحاجة لمزودات إضافية للطاقة. قد تحتاج السيدة الحامل أثناء فترة الصيام لتعديل سلوكيات يومية لتناسب الواقع الصحي الجديد، فلا ينصح بتناول كميات كبيرة من الحلويات، حيث أن الحلويات تتطلب إثر تناولها كميات كبيرة من السوائل أو المياه، فيخشى هنا ألا تتمكن الحامل من تعويض هذه الكميات بين فترتي الإفطار والسحور، ما قد يتسبب بمضاعفات صحية، إضافة لضرورة الموازنة بين العناصر الغذائية التي تعتبر حصة غذائية لطرفي المعادلة، ولتجنب السمنة أو التخمة فينصح بتقسيم وجبات الغذاء إلى ثلاث: إفطار، عشاء وسحور ولا يوجد ما يمنع التقسيم لأكثر من ذلك، على أن تتضمن هذه الوجبات جميع المكملات الغذائية الضرورية لها، ثم المواظبة على شرب السوائل بكميات كبيرة، وعليها أيضاً إن هي تنشد فترة صيام آمنة وخالية من المشاكل الصحية الابتعاد عن المخللات والبهارات والفلفل وما شابه ذلك والتي تزيد من إفراز العصارة الحامضية بالمعدة وما قد يتسبب بعد ذلك من مشاكل صحية، كما يجب أن يتوفر في غذائها التوازن بين جميع المكونات الغذائية من البروتينات، والفيتامينات، والأملاح المعدنية،، النشويات والسكريات خاصة في الشهور الثلاثة الأولى. فالمرأة التي ترغب في الصيام يجب أن تتحلى بصحة جيدة ويجب عليها الخلود للراحة فترة طويلة خلال ساعات النهار خصوصا بظرف الصيف الحار ومراقبة حملها جيدا وعدم التردد بطلب المساعدة بالتوقيت المناسب، والبعد كل البعد عن مسببات القلق والتوتر، وتقدير الحالة الصحية وإعطائها أولوية القرار لأنه لا يوجد حتى الساعة جواب كاف وحاسم لتأثير الصيام على الأم الحامل و/أو الجنين بالرغم لوجود العديد من الأبحاث الطبية التي نظرت إلى آثار وانعكاسات وايجابيات الصيام أثناء الحمل والتي توصلت لتوصيات تشجع على الصيام ما لم يكن هناك مانع صحي. أما إذا كنا نتحدث عن الأدوية الإضافية بالظروف الطبيعية التي تعطى للحامل كالكالسيوم، فيجب على المرأة الحامل أن تتناوله مباشرة بعد الفطور باعتبار أنها لن ترقد للنوم قبل 6 ساعات يتخللها الكثير من النشاط والحركة ، أما الحديد وحامض الفوليك فمن المستحسن أن تأخذه المرأة الحامل قبيل السحور.
الصيام في شهر رمضان المبارك عبادة عظيمة ولكن رخص الله سبحانه وتعالى للمرأة بشكل خاص وهي الحامل أو المرضع بالإفطار إذا كان هناك أحد الأمرين: إما خوفها على نفسها و/أو على جنينها وطفلها واستثنى من تبحث عن عذر بحجة أو تصطنع من ذلك فرصة للرجيم وهو موضوع مقالتي القادمة وألف تحية وسلام لكل أم.