حَلََلْْتُ اليومَ بِإحْدى
المُؤسّساتِ العمومية ، والتّي يَتَوَافدُ عليها المُواطنون بكثرة ،وكانَ
تَوَاجُدي بِها للمَرّة الثّالثة على التّوالي في غُضُون هذا الشّهر ،
وَكَمْ كان التّغْييرُ واضِحًا وجَليِّا لِلْعَيَان ، خاصّة في نظر أُولئك
الذّين تَرْبِطُهم علاقة شبه مُسْتمرّة بهذه المؤسّسة .
لَقَدْ كَانَ النّظامُ حاضرًا هُناك ، ويَكاد أن يَتجلّى لكَ شخْصًا
واقفًا يَرقُب المكانَ ويُديرُ عَقارِبَ الزّمَان ، أمّا حُسْن المُعاملة
وطِيبِ الكَلام ورِقّّّة الحديثِ وثَقافََة التّواصُل ، كُلّهَا كانت أشْبه
ما تكونُ بنَساَئم الصُّبح النّقية الصّافية التّي تُحرّك سَتَائرَ البيْت
العَتيق فَتُنْعش القُلُوبَ وتَمْلأُ المكانَ أماناً وهدوءاً.
لمْ تمْضِ لحظاتٌ حتّى حانَ دوْري ، تقدّمت بهدوء مُحاولا تقديمَ عَرْض
وجيز ومُختصر لِما جئْت لأجله ، وما كدت أنتهي من ذلك حتّى ذاب جليد
المشكلة التّي قدِمتُ لأجلها بدفْء الكلماتِ الطيّبة وتجَلّت مَوَاطِنُ
عِلاجها تحت إشراقة بَسَمَات عَابِرة .
لَقَدْ قلَّتِ الشّكَاوَى في هذا المكان الذّي طالما عُرفَ بها ، بل كان
يمثّل عُقدة كلّ مواطن يقصده ، وعبئا ثقيلا يصْعُب حَمْلُه ، لكن كيف حدث
هذا وما السّبب في هذا التّغيير المفاجئ ، بل وكيف استطاع هذا المسئول
العبقريّ أن يجد هذا المخرج النّبيل ، أم أنّ الأمر لا يَعْدُو كَوْنَه
مُجرّد صُدْفة ؟؟
وَلِأنّ المكتُوب يَظهر مِنْ عُنوانه كما يقول أَشِقَّاؤُنا في المشْرق ،
سُرْعان ما اكتشفتُ الأسباب وأدركْتُ المُسبّبات ، كَوْنَكَ أيّها
الزّائرُ الكريم بمُجرّد وُلُوجِك لهذا المكان ، تكتشف أنّ طاقَمَه مِنْ
مَعْدن الجِنْس اللّطيف ، ولا تجد لك من الجنس الخشن (عفوًا) من الرّجال
أثرًا ، فكُلّ العُمّال في هذه المؤسّسة هم نساءٌ ، بما في ذلك مديرها ،
وكم راقني مشهد السيّدة المديرة وهي تترَاءَى لك من خلف زُجاج مكتبها
مُنْهمِكةً في عمَلها ومَحْصُورة بين دفاترها وجهاز حاسوبها.
حينَها أدركتُ أنّ المرأة هي الحلّ ، ولا حَلّ في غيْر المرأة ، أقولُ
هذا دون تَحَفّظٍ ولهذه الأسباب فقط . فلم أسمعْ يوما عن امرأةٍ تَهَاوَنَت
في عملِها وقصّرتْ أو قَسَتْ على زبائِنِها ونهرَت، أو زَوّرَت وغيّرت أو
وعدت وأخلفت أو اختلست ثمّ هربت..